المستفيدون من تأشيرات شنغن طويلة الأمد.
يشهد نظام تأشيرات منطقة شنغن تحولاً مهماً في الوقت الراهن، بعد بدء تطبيق نوع جديد من التأشيرات طويلة الأمد، التي تتيح للمسافرين الموثوقين من خارج الاتحاد الأوروبي دخول دول المنطقة مرات متعددة ولفترات تمتد حتى خمس سنوات.
وتعكس هذه الخطوة رغبة الاتحاد الأوروبي في تسهيل حركة التنقل وتنظيمها بصورة أكثر كفاءة واستدامة، مع الحفاظ على المرونة المطلوبة في إدارة الحدود.
تتولى المفوضية الأوروبية الإشراف على تنفيذ هذا النظام الجديد، الذي يُكافئ الأفراد ذوي السجل النظيف في السفر، ويمنحهم حقوق تنقل قريبة من تلك التي يتمتع بها المواطنون المعفيون من التأشيرة، وإن بقيت بعض القيود قائمة، أهمها أن هذه التأشيرة مخصصة حصراً لأغراض الزيارة والتنقل، ولا تمنح حاملها حق العمل داخل دول الاتحاد الأوروبي.

من هم المستفيدون الأوائل؟
حتى الآن، شملت القواعد الجديدة مواطني ثلاث دول فقط، مع توقعات بتوسّع القائمة خلال الفترة المقبلة لتشمل جنسيات أخرى تجمعها بالاتحاد الأوروبي علاقات تعاون وثيقة في مجالات الهجرة والأمن والاقتصاد.
كان المواطنون الهنود أول من استفاد من النظام منذ 18 أبريل 2024، حيث أصبح بإمكانهم الحصول على تأشيرة متعددة الدخول لمدة عامين بعد امتلاكهم لتأشيرتين خلال السنوات الثلاث السابقة، على أن تمتد لاحقاً لتصل إلى خمس سنوات لمن تنطبق عليهم الشروط.
وانضم المواطنون الأتراك إلى البرنامج في 15 يوليو 2025 (باستثناء سائقي الشاحنات)، ويُسمح لهم بالحصول على تأشيرة دخول متعددة لمدة عام واحد بعد تأشيرتين سابقتين، ثم تمتد إلى ثلاث سنوات، فخمس سنوات تبعاً لصلاحية الجواز وسجل السفر.
وأصبح المواطنون الإندونيسيون أحدث المستفيدين اعتباراً من 23 يوليو 2025، إذ يمكنهم التقدم لتأشيرة متعددة الدخول صالحة لمدة خمس سنوات بعد استخدام تأشيرة شنغن واحدة بشكل قانوني خلال السنوات الثلاث السابقة.

سياسة أوروبية جديدة تفتح الأبواب للمسافرين المنتظمين
تعتبر المفوضية الأوروبية أن هذه التأشيرات تمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز التواصل بين الشعوب وتيسير الحركة للمسافرين الذين يلتزمون بالقوانين وشروط الإقامة.
ويأتي ذلك ضمن ما أطلقت عليه بروكسل اسم “سياسة المسافرين الموثوقين”، التي تركز على دعم الأفراد الذين يسافرون بانتظام لأغراض مهنية أو ثقافية أو إنسانية.
كما تحمل هذه السياسة أبعاداً دبلوماسية واضحة، إذ ترتبط بدرجة تعاون حكومات الدول المعنية مع الاتحاد الأوروبي في قضايا إعادة القبول وتنظيم الهجرة القانونية، ما يجعلها أداة تجمع بين البعد الإداري والاعتبارات السياسية في آنٍ واحد.
نظام “التتالي”… مكافأة على الالتزام والانضباط
يُعرف النظام الذي يُنظّم هذه التأشيرات باسم “نظام التتالي” (Cascade System)، وهو آلية تدريجية تمنح فترات صلاحية أطول بناءً على تاريخ سفر المتقدم ومدى التزامه بشروط التأشيرات السابقة.
فعلى سبيل المثال، يحصل المسافر المنتظم على تأشيرة متعددة الدخول لمدة عام واحد بعد ثلاث تأشيرات قصيرة ناجحة، ثم على تأشيرة لمدة عامين، وأخيراً لخمس سنوات إذا استمر في الالتزام بالقواعد المحددة.
ورغم مرونة هذا النظام الجديد، تبقى قاعدة الـ90 يوماً خلال كل 180 يوماً سارية المفعول داخل منطقة شنغن، ما يعني أن طول صلاحية التأشيرة لا يمنح الحق في الإقامة المتواصلة لفترة طويلة.
ويُعد الالتزام بهذه القاعدة أمراً أساسياً، إذ قد يؤدي تجاوز مدة الإقامة إلى رفض طلبات التأشيرات المستقبلية أو حتى حظر الدخول إلى المنطقة.

رؤية مستقبلية لتنظيم السفر العالمي
تعكس هذه السياسة الجديدة توجه الاتحاد الأوروبي نحو نهج أكثر توازناً يجمع بين الانفتاح الأمني والاقتصادي من جهة، والتنظيم المسؤول لحركة المسافرين من جهة أخرى.
ويعتمد هذا النهج على الثقة والسجل الشخصي للمسافر أكثر مما يعتمد على جنسيته.
كما تولي اللائحة الأوروبية اهتماماً خاصاً بالفئات المهنية التي تتطلب طبيعة أعمالها التنقل الدائم، مثل رجال الأعمال والفنانين والرياضيين والبحارة، مؤكدة أهمية مراعاة الاتفاقيات التجارية والثقافية التي تسهّل حركة هذه الفئات.
وفي المحصلة، تفتح تأشيرات شنغن طويلة الأمد فصلاً جديداً في سياسة الاتحاد الأوروبي، عنوانه أن المسافر الموثوق هو الشريك المفضل.
فالالتزام والانضباط أصبحا اليوم مفتاح الثقة، وأوروبا تفتح أبوابها أكثر من أي وقت مضى لأولئك الذين يحترمون قوانينها وينتمون إلى ثقافة السفر المسؤول.
